الرؤى
22 سبتمبر 2025
يقترب العالم من مرحلة حاسمة يتمكن فيها حاسوب واحد من معالجة بيانات هائلة تستغرق معالجتها مليارات السنين باستخدام الحواسيب المتطورة. لم يعد الأمر مجرد خيال علمي، فالحوسبة الكمومية تتقدّم بوتيرة متسارعة لتحدث تحولاتٍ جذرية في مختلف القطاعات، بدءًا من اكتشاف الأدوية وعلوم المناخ ووصولًا إلى المواد فائقة الخصائص والخدمات المالية، والذكاء الاصطناعي.
وتفتح الحوسبة الكمومية الآفاق أمام المستثمرين الذين لم يلحقوا بركب الاستفادة من زخم الذكاء الاصطناعي، لتشكل دعوة مبكرة لدخول هذا القطاع الواعد. كما تشكل فرصة مثالية للدول ذات الطموحات الكبرى، بما في ذلك دولة الإمارات، لتتصدّر السباق التكنولوجي العالمي.
ورغم أن ثورة الذكاء الاصطناعي ظهرت ملامحها بشكل واضح عام 2022 مع إطلاق شركة "أوبن إيه آي" لنموذج الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي"، لكنها في الواقع نتاج 15 عامًا من التطوير المتواصل. وعلى النحو ذاته، مرّت الحوسبة الكمومية بعقود من التطوير واستثمارات بمليارات الدولارات من قبل شركات رائدة مثل "آي بي إم" و"جوجل" و"مايكروسوفت" و"أمازون" و"إنتل"، لتقترب اليوم من المرحلة المفصلية التي ستدفعها للانطلاق نحو التطبيقات العملية.
تتفوق الفيزياء الكمومية على المنطق المعتاد في الحواسيب التقليدية التي تعالج البيانات في وحدات ثنائية (البت) وتكون إما 0 أو 1، بينما تعتمد الحواسيب الكمومية على وحدة (الكيوبت) التي تستفيد من ثلاثة مبادئ رئيسية:
تتميز الحواسيب الكمومية بحساسيتها العالية للحرارة والاهتزاز والضوضاء الكهرومغناطيسية، ولذلك يشير مصطلح التماسك الكمومي إلى المدة التي يحتفظ بها الكيوبت بحالته الكمومية ضمن حالات التراكب والتشابك والتداخل دون أية أخطاء. ولزيادة مدة التماسك، يقوم العلماء بتبريد الرقائق الكمومية إلى ما يقارب 273.15 درجة مئوية تحت الصفر، وهي درجة تتجاوز برودة الفضاء الخارجي. وكلما زادت مدة التماسك، كانت عمليات الحوسبة أكثر قوة وموثوقية.
وتساعد هذه الخصائص الحواسيب الكمومية على محاكاة بنى الجزيئات والذرات، واكتشاف مواد جديدة، وتسريع عملية اكتشاف الأدوية، بالإضافة إلى تحقيق قفزات نوعية في قطاعي الخدمات المالية والتنقل. ويتوقع محلّلون أن تبلغ مساهمة الحوسبة الكمومية 2 تريليون دولار أمريكي في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2033.
لغاية اليوم، تشكل قابلية التوسع ومعدلات الخطأ أكبر التحديات التي تواجه الحوسبة الكمومية، فكلما حاول العلماء بناء حواسيب كمومية أكبر وأكثر كفاءة، ترتفع معها معدلات الأخطاء بشكل أسرع. إلا أن الشركات التقنية الرائدة بدأت بتغيير المعادلة! ففي 19 فبراير 2025، أعلنت مايكروسوفت عن شريحة "Majorana 1"، وهي رقاقة كمومية قادرة على التوسع إلى مليون كيوبت، في نقطة تحول بارزة نحو الحوسبة الكمومية العملية. وما هي إلا أيام حتى ردّت شركة أمازون بإعلانها عن شريحتها الكمومية "Ocelot" القادرة على تصحيح الأخطاء بنسبة تصل إلى 90%. وجاءت هذه التطورات بعد إطلاق جوجل لشريحتها "Willow" عام 2024، فيما تعمل "آي بي إم" على تطوير نظام مكوّن من 100,000 كيوبت بحلول عام 2033.
وفي خضم السباق بين أبرز الشركات التقنية، يمضي العالم بخطىً متسارعة نحو مستقبل واعد يعيد تشكيل القطاعات الحيوية ويولّد فرصاً اقتصادية تقدّر بتريليونات الدولارات.
تتجاوز الحوسبة الكمومية اليوم حدود القدرة على تطوير المعالجة الحوسبية، إذ تشكل رهانًا عالميًا يحدد من سيقود المرحلة المقبلة من الابتكار التقني. وبينما تتصدر الولايات المتحدة والصين المشهد الحالي، تبرز الهند كلاعب رئيسي في هذا القطاع، وتستعد أوروبا للعودة تدريجيًا إلى مشهد التقنية. وفيما تتجه الأنظار إلى هذا السباق، رسخت دولة الإمارات موقعها المتميز عبر خطوات استراتيجية مدروسة، حيث أنشأت "مركز بحوث الكوانتوم" في أبوظبي وأعلنت عن شراكة استراتيجية مع شركة "IonQ" الرائدة في مجال الحوسبة الكمومية.
وتحظى دولة الإمارات بالعديد من المزايا التنافسية التي تؤهلها لقيادة مستقبل الحوسبة الكمومية بما في ذلك:
لقد بادرت دولة الإمارات إلى تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مبكّر، وهي تواصل اليوم ترسيخ مكانتها الرائدة في مجال الحوسبة الكمومية عبر استقطاب الكفاءات والاستثمارات وإبرام الشراكات البحثية التي ستشكل ملامح مستقبل الابتكار.
شهدت شركات الحوسبة الكمومية اهتمامًا ملحوظًا من المستثمرين خلال الأشهر الـ12 الماضية، في مؤشر واضح على تنامي مستويات الثقة بهذا القطاع الواعد. ورغم أن القطاع لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن الشركات الضخمة والمتخصصة تواصل الإعلان عن تقدمها التقني المدفوع باستثماراتها في مجالي البحث والتسويق التجاري.
وفي حين لا يزال الجدول الزمني غير واضح، يتوقع الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" ساتيا ناديلا حدوث تطورات كبرى خلال 3 إلى 5 أعوام، في حين يعتقد خبراء آخرون أن الأمر سيستغرق قرابة عقد من الزمن. وفي كلتا الحالتين، يبدو عنوان المرحلة القادمة على المدى الطويل واضحًا: التقدم الحتمي نحو "الخصائص الكمومية"، حيث تتمكن الحواسيب الكمومية من حل المسائل العملية بسرعة أكبر من أية حواسيب تقليدية فائقة التطور.
وكما كان البعض يشكّك بقدرات الذكاء الاصطناعي في عام 2018 قبل أن يغزو العالم لاحقًا، تواجه الحوسبة الكمومية النظرة ذاتها. لكن إعلان "مايكروسوفت" بأن 2025 هو عام الاستعداد للحوسبة الكمومية، وتنظيم شركة "إنفيديا" لأول يوم عالمي للحوسبة الكمومية في شهر مارس الفائت، يثبت أن الزخم بات حقيقة ملموسة.
وفي هذا الإطار، تمتلك الإمارات فرصة استثنائية لقيادة هذا التحول، مدعومةً باستثماراتها المبكرة، سواءً عبر الصناديق السيادية، أو المبادرات البحثية، أو الشراكات الاستراتيجية، لتتمكن من تسخير هذه الثورة الكمومية وتحقيق أقصى استفادة إلى جانب المستثمرين والدول الأخرى.
وبعد أن أعاد الذكاء الاصطناعي رسم المشهد التقني على مستوى العالم، تتقدّم الحوسبة الكمومية اليوم باعتبارها التقنية الكبرى القادمة، لتفسح المجال أمام المستثمرين والشركات والدول لاغتنام الفرص في قطاع واعد قد يتفوق على قطاعي الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين.
لم تعد الحوسبة الكمومية مجرد احتمال، بل فرصة تاريخية يترقبها العالم للانطلاق نحو مستقبل أكثر ابتكارًا. فهل أنتم مستعدون لصناعة هذا المستقبل؟
جير إسبسكوج، ماجستير في علوم الحاسوب وإدارة التقنية، الرئيس التنفيذي لشركة Northwind Ltd
استثمر في مستقبل الحوسبة الكمومية. تعرف على المزيد حول صندوق بورياس سولاكتيف للحوسبة الكمومية يوسيتس المتداول – ذات العائد الموزع. قم بتنزيل الكتيب أو شاهد الفيديو.
يمكنك التواصل مباشرة مع موظفينا لاستكشاف حلول مخصصة للاستثمار في صناديق المؤشرات المتداولة، والخطوات المقبلة لدعم تحقيق أهدافك المالية.